ذاااااات صباااااااح

إلى كل قلبٍ عانق نبضه إشراقة الصباح

أحلى الصباحات أتمناها لكن في ""ذاااات صبااااح "" لـ لأبث من قلبي إليك بطاقة .... نضجت على شوقٍ وحرقة بعد..... فيها (أحبك يا أخي !) متفرداً .... بأخوتي ومشاعري وبودي تفاءل !! فالصبح يأتي مشرقاً ...... من بعد ليل مظلم القسمات والله يرزقك فلا تك يائساً ...... لا تذهبن العمر في حسرات كن واثقاً ،كن مؤمناً ، كن آمناً ...... كن ليناً ،كن دائم البسمات كن كالشذى العطر المعطر غيره ...... كن شعلة الإيمان في الظلمات




كان ذلك قبل نحوٍ من (30) سنة، وكان شاباً بسيطاً في تعليمه إلى قريب الأمية، بسيطاً في حاله إلى حد الفقر، بسيطاً في تعبيره؛ فهو مباشر غير متكلّف، جمعني وإياه غرفة الألم وسرير المرض في مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي بعد أن أجرى كل منا عملية جراحية. 
وكنا ننظر إلى التلفزيون في غير كبير اهتمام أو متابعة. كانت نشرة الأخبار، وأطل من الشاشة حتى ملأها وجهه الواسع، فلما رآه صاحبي -وكان مضطجعاً فجلس- جعل يدعو ويثني بلهجته الجنوبية وأدائه العفوي. كان يتحدث بإعجاب صادق، ويدعو بإخلاص عميق، فسألته: أتعرفه؟ قال: نعم. أنا دخلت عليه في مكتبه في الوزارة، ثم بدأ يقص خبره فقال:   
كان عمي مريضاً كبيراً في السن يراجع المستشفى في الديرة، وطال تردّده لإجراء العملية المقررة له، وساءت حالته فقال لي: اذهبْ بي يا ولدي للوزير، فذهبنا ودخلنا عليه بسهولة ويسر، ولما رأى عمي ورأى شيبته وحالته قام وجلس إلى جنبه، وقال له: «أنت أبونا والحق أنك ما تتعنا وتجي».
   
وأنهى الموضوع في نفس الجلسة. الله يوفقه، الله يوفقه.. 
ومد كلمة «اللــــــــــــه» كأنما يريد أن يشبعها بصدقه وإخلاصه، وكنت أنا أتخيل حال هذا المراجع بشيبته وبساطته وحالته التي هي أكثر رقة وبذاذة من حال ابن أخيه الذي يحدثني عنه، أتخيله يتلقى هذه المعاملة الكريمة من هذا الوزير الإنسان. 
كبر هذا الإنسان في نفسي وقلت: هذا الموقف النبيل عرفته اتفاقاً؛ لأني لقيت بطله مصادفة، ولولا هذه المصادفة لم أعلم بهذا الخبر، ولم أسمع به. هذا عمل سر تقرأ فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:   
أبغوني ضعفاءكم، أصحاب الجنة ثلاثة: «ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم".
ثم تتابعت لهذا الموقف أخوات كثر، كلها تعمق مساحة الإعجاب وتوسّعه، كان من أعاجيبها -وكلها عجب- يوم علمت خبر الأخ جار الله -رحمه الله- وهو من معارفي وأهل بلدتي، وكان أحد المستخدمين في مكتبه، وكانت مهمته سكب أقداح الشاي للوزير وزوّاره، وكان يتحدث عنه وهو الذي خالط من خلال عمله مسؤولين كثر في مستوى هذا المنصب، فلا يذكر أحداً قبله في إنسانيّته وكريم تعامله. 
كان جار الله يتحدث عنه ويقول: «هذا الشخص الذي لا يمكن أن يُنسى!! لم يكن يعاملنا كمراسلين أو مستخدمين ولكن كزملاء في العمل!! كان كثيراً ما يوزع راتبه على المستخدمين في مكتبه ولا يأخذ منه شيئاً". 
وبعد أن غادر الوزير الوزارة، وانشغل بهمومه الأخرى التي كانت تنتظره، وأحيل جار الله إلى التقاعد فوجئ برسالة تصله منه، فإذا هي بطاقة دعوة لحضور زواج ابنته يارا!! وكان موقفاً فعل فعله في نفس الرجل، وشعر أن هناك رابطة أكبر من العمل تربطه بالوزير الإنسان حيث ذكره على بعد العهد، وبعد الدار، وتعاهده في مناسبة هي من خاصة مناسباته، فتذكرت ورأيت كيف كان يطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:  
"إن حسن العهد من الإيمان".   
ثم جاء بعد ذلك الموقف الذي جعلني أشعر بأن مساحة الإعجاب تتحول إلى إكبار، ورأيت هذه الإنسانية ترتدي رداءً من النبل والمروءة في موقف عجب نادر، ولئن كانت المواقف السابقة يزينها أنها مواقف سرّ وخصوصية، فإن هذا الموقف موقف يزينه العلن والتعالن، وكان ذلك وهو سفير في لندن بعد أن اتخذت الدولة خطوتها في سجن بعض المشايخ والدعاة الذين كان له معهم خصومة فكرية، تحوّلت إلى سجال محاضرات وكتابات وردود، فسُئل عنهم بعيد إيقافهم في لقاء مع الطلبة السعوديين، وسُئل عن رأيه في هذه الخطوة، وكانت الفرصة مواتية لمن أراد أن يتشفى من خصومه، فينشب أنيابه وأظافره، وإلا ّفلا أقل من أن يبحر في اتجاه الريح؛ فهو ممثل السياسي ولا حرج عليه أن يشرح مسوّغات القرار!!    
لكن الرجل كان أنبل من ذلك وأكبر من كل ذلك، فلم يكن الحاضر فيه منصبه ولا خصومته. ولكن نبله ومروءته وإنسانيته فأجاب على الفور: لا يصح أن نتكلم عنهم ونحن هنا في هذا المكان وهم هناك في مكان آخر لا يستطيعون التعبير عن وجهة نظرهم ولا الدفاع عن أنفسهم!!   
وتطاولت قامته المديدة في أعيننا؛ فقد كان موقفاً من مواقف النبل الكبيرة، ونجاحاً في امتحان صعب تُمتحن فيه القلوب، فلا ينجح فيه إلاّ كبار الكبار وقليل ما هم (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). 
هذه المواقف ما كنت لأعلمها لو لم أتواصل مباشرة مع أبطالها، كشفت لي أن سرّ الرجل أفضل من علانيته، وأن ما يخفيه أجمل مما يتظاهر به. أذكر هذه المواقف وأنا لا أتحدث عنه فأقول: قال لي، أو اتصل بي، أو أرسل إليّ، فأنا الذي لم ألقه إلاّ مرة واحدة في غمار الناس، ولا أحسب أنه أحس بعبوري ذلك.                   
         
أتحدث اليوم لا عن غازي الوزير أو السفير أو الروائي أو الأديب أو الشاعر؛ فهذه نوافذ أطلّ منها على الناس، ومن حقهم أن يبدوا رأيهم في ما رأوا، وإنما أتحدث عن غازي الإنسان والذي وصل إليّ - على بعدي - نفح خلائقه وكريم شمائله، واليوم وقد لقي الرب الذي كان يعبده ويسّر له بصالح عمله، أذكر ذلك وأقول: اللهم هذا ثناؤنا وبخير أثنينا.. اللهم فاجعله ممن قلت عنهم: وجبت فأوجبت له الجنة.
وسلام الله ورحماته ومغفرته ومرضاته عليك: يا أيها الإنسان.
عبدالوهاب الطريري 


0 التعليقات:


creation de site