×× حدثني رجل كبير القدر ،، صادق اللهجة ،قال:
كنت في لندن ،فرأيت صفاً طويلاً من الناس ، يمشي الواحد منهم على عقب الآخر ، ممتداً من وسط الشارع إلى آخره فسألت ، فقالوا : إن هنا ( مركز توزيع ) ، وإن الناس يمشون إليه صفاً ، كلما جاء واحد أخذ آخر الصف ، فلا يكون تزاحم ولا تدافع ، ولا يتقدم أحد دوره ، ولو كان الوزير ، ولو كان أمامه كناس ،، وتلك عادتهم في كل مكان ،
قال : ونظرت فرأيت في الصف كلباً في فمه سله ، وهو يمشي مع الناس كلما خطوا خطوة ،خطا خطوة ، لا يحاول أن يتعدى دوره أو يسبق من أمامه ، ولا يسعى من وراءه أن يسبقه ، ولا يجد غضاضة أن يمشي وراء كلب ، ما دام قد سبقه الكلب .
فقلت : ما هذا ؟؟
قالوا : كلب يرسله صاحبه بهذه السلة، وفيها الثمن والبطاقة فيأتيه بنصيبه من ( الإعاشة ) ....
لما سمعت هذه القصة خجلت من نفسي أن يكون الكلب قد دخل في النظام ، وتعلم آداب المجتمع ، ونحن لا نزال نبصر أناساً في أكمل هيئة ، وأفخم زي ، تراهم فتحسبهم من الأكابر ... يزاحمونك ليصعدوا - الترام - قبلك ، بعد ما وضعت رجلك على درجته ، أو يمدون أيديهم من فوق رأسك إلى شباك البريد ، وأنت جئت قبلهم ، وأنت صاحب الدور دونهم ، أو يغفزون ليدخلوا قبلك على الطبيب وانت تنظر متألماً من ساعتين ، وهم إنما وثبوا من الباب إلى المحراب .
خجلت من رجال لم يتعلموا الانتظام ، الذي تعلمته الكلاب !!!
من كتاب / مقالات في كلمات ، الجزء الأول
علي الطنطاوي
0 التعليقات:
إرسال تعليق